فكر حر

في سنة 2012 كتبت هذا المقال حول تكوين الأحزاب والتحالفات. ونشر في جريدة المغرب في 9 جوان 2012
شهور عديدة مرّت منذ انتخابات 3 2أكتوبر، واجماع واسع حصل بين الديمقراطيين او المؤمنين بالديمقراطية بأن خيبتهم جاءت بسبب تشتتهم واتفق الجميع على أي نجاح في المستقبل يمر عبر القضاء على ذاك التشتت.
لكن كيف وفي الساحة السياسية أكثر من مائة حزب، جلها حديثة العهد ليس قانونا فقط وايضا فكرا ومقاربة لواقع البلاد سياسيا واقتصاديا وثقافيا و جيوسياسياً؟
هل لكل تلك القائمات الانتخابية دلالة سياسية جديرة بالاعتبار في وزنها الشعبي على المستوى الجهوي أو الوطنيّ? لا بد من أن (...)

الحداثة لا تعني البناءات الفخمة ولا تتجسد فيها ٍ إنما الحداثة في الخروج من فكر المُنْهَزِم وسلوك التقليد الأعمى والبكاء على الاطلال! الحداثة تتمثل في بناء فكر جديد يَفْحَصُ كيف ارتقت دول وشعوب من خلال التشبُّع بالعلوم وتخلفت دول وشعوب أخرى بغياب تلك العلوم. انها كذلك تكمن في فكر جديد يتعمق في كيفية استيعاب الشعوب الراقية لتلك العلوم العصرية وفي تنميتها. فالعلوم هي التي شيَّدت البناءات الفخمة والمدن النظيفة والعلاقات البشرية السمحة ووفرت لها قوّة معنويّة وماديّة وقع توظيفها لاستعمار من تخلف عن رتل الحضارة. مقاومة الاستعمار واستقلال الشعوب المتخلفة تمت (...)

الحياة في المدن الصغيرة أو القرى تختلف تماما عن تلك التي نعيشها في المدن الكبرى .
إكتشفت هذه الحقيقة عندما وطئت قدماي لأول مرة في بداية الستينات من القرن الماضي، أرض فرنسا ، بُعيد الحصول على شهادة البكالوريا ، لمواصلة دراستي في التعليم العالي . نزلت في مدينة صغيرة تكثر فيها الكنائس العتيقة ويكثر فيها قرع أجراسها أيام الأحد . تخفّ الحركة في الشوارع والساحات طوال تلك الأيام . لكن هي بالنسبة لي أيام العطلة الأسبوعية ، أقوم أثناءها بشؤوني . فأعتني بنفسي ، بمسكني ، بطعامي ، بهندامي ، بثيابي ، زيادة عن دروسي . وما يمكن لي أن أفعله غير ذلك ، و أنا أعيش وحيدا (...)

هناك نوع من الاعاقة الفكرية؛ اعاقة لا تفتح الباب امام فهم ان كل كائن حي يتاقلم ما دام حيا مع ظروف الزمان والمكان ويتطور٠ والكائنات الحية انواع منها ما هو مادي ومنها ما هو غير مادي : فكري او ثقافي او علمي او فني٠ والقيم الاجتماعية بما فيها الاخلاق تتطور ايضا بالضرورة ٠
كان امتلاك العبيد والجواري عنوانا على المنزلة الاجتماعية العالية ترنوا اليها الفئات الاجتماعية الاقل حظا وثراء تحت عنوان كسب العيش ببيع وشراء البشر ولا يختلف ذلك عن ما يقع اليوم من بيع وشراء لادوات العمل الصالحة لانتاج الخيارات في الفلاحة والصناعة والخدمات ٠ اما اليوم امتلاك العبيد لم يعد (...)

ما لا يعرفه غالبية النهضويين اليوم هو ان زعمائهم الاوائل في أربعينات القرن العشرين كانوا ضد تعليم البنات في المدارس العصرية التي اتخذت مناهج المدرسة الصادقية قدوة لها مثل معهد البنات بنهج الباشا.
فقد كانت المدرسة الصادقية حاملة مشعل الثورة تنطلق منها مسيرات شبابية مطالبة بالاستقلال وحاملة لمشعل التقدم والانفتاح على الثقافة الكونية في حين كان التعليم في جامع الزيتونة يتارجح بين الرغبة في الانفتاح والتطور ودراسة اللغات الحية والعلوم كالرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية وبين الاكتفاء بالبرامج التقليدية مثل العلوم اللغوية والادبية والفقهية وبقليل من (...)

اهم مراحل التفكير العقلاني في موضوع ما بعد جمع الكلمات المفاتيح التصنيف لتلك الكلمات في مجموعات أصغر حسب أوجه التشابه بينها ثم ترتيب تلك المجموعات الصغيرة حسب سلم وقع تبنيه مسبقا. كل انسان يقوم غالبا بتلك العمليتين تلقائيا وبدون ان يتفطن إلى ما يفعله سواء كان بارعا ام لا في التصنيف والترتيب. الحيوان ايضا يقوم بعملتي التصنيف والترتيب. مثلا لماذا يخاف القط من سيارة تتحرك ولا يخاف من سيارة لا تتحرك وماذا يفعل في كل وضعية؟ هل يخاف القط من كل شيء يتحرك؟ لا. انه يميز بين الأشياء المتحركة الخطرة والأشياء المتحركة الغير خطرة. كيف نفسر ذلك؟ للقط ذاكرة سجلت (...)

أرى أن هناك مشكلة عامة عند التونسيين: القدرة على الحوار الجماعي وإدارته. الحوار الحقيقي يكون مع من يخالف الرأي وليس مع من يوافقك. هذا ما نراه تقريبا في كل مكان ولاسيما في البرلمان وفي وسائل الإعلام. لكن هذا الضعف لا يقتصر على ميدان السياسة. نراه أيضا في الجامعة ومؤسسات البحث العلمي.
ما من شك أن ثقافة الحوار لا تبنى فى بضعة شهور ولا في سن الكهولة. إنما هي تبنى منذ الصغر. دور المدرسة في التدريب على الحوار الجماعي و على إدارته هو أساس التكوين الأخلاقي والعلمي والمواطني على حد السواء. دعم ثقافة الحوار في المدرسة والجامعة امر اكيد واساسي لاستبطان الفكر (...)

منذ ظهور داعش، فهم العالم الغربي مدى تخلف الإسلام السياسي وخطورته الكبرى على القيم التنويرية والحضارة التي يعيشها. وربما فهم أيضا خطورة دعمه واستخدامه لمقاومة الفكر اليساري العالمي في البلدان الناشئة؟ فلا مناص بالنسبة لصانعي الحضارة الحالية من إعادة النظر في علاقاتهم مع البلدان المستقلة حديثا والناشئة إقتصاديا. إشكالية العولمة هي في الأصل الصراع بين الفكر اليساري و الفكر الليبرالي. وهي اشكالية تعيشها كل بلدان العالم، بلدان العالم المزدهر وبلدان العالم الناشئ على حد السواء. استخدام الدين، ايا كان هذا الدين، لحلحلة اشكالية العولمة الأولي مصيره الفشل. هذا (...)